![]() |
||
الأريوسية
***
من هو آريوس ؟؟
Arius آريوس (256- 336م) كان مواطناً ليبيا ولد على الأراضى الليبية، وكانت ليبيا تابعة لكنيسة الأسكندرية لهذا أطلق على المسيحين فى ليبيا فى ذلك الوقت اسم "أقباط ليبيا" .
تلقى آريوس تعليمه اللاهوتى فى أنطاكية فى مدرسة المعلم الفيلسوف "لوقيانوس"، وعندما ذهب إلى الأسكندرية وخدم فيها سامه البابا بطرس بابا الأسكندرية شماساً.
وكان البابا بطرس السابع عشر، عندما أصبح بطريركاً فى عام 285 م ، قد اصدر قراراً بقبول جميع الذين اجبروا على أن يدعوا للأوثان وكانوا قد ضعفوا وأفقدهم الإضطهاد والعذاب الشديد صلابتهم وقوة إيمانهم وأنكروا المسيح. وتم قبولهم رعايا فى الكنيسة مرة أخرى بدون فحص أو قصاص أو عقاب بدنى أو روحى . وذلك عندما هدأت موجة الإضطهاد للمسيحيين فى وقت تزامن مع قبول الإمبراطور قسطنطين المسيح.
ومن المعتقد أن آريوس كان ممن قد بخروا للأوثان أثناء الإضطهاد، لكن بناء على قرار البطريرك بقبول التائبين ذهب آريوس إلى البطريرك واعلن خضوعه وندمه فقبله ثم رسمه شماساً ثم رقى لوظيفة واعظ لفصاحتة وقدرته على الخطابة ورُسم كاهناً سنة 310، وعُيّن خادماً لإِحدى كنائس الإِسكندرية. و لوحظ أن آريوس كان يمزج اقواله باقوال الفلاسفة رغم أنه لم يكن هذا هو الخط الكنسى البسيط التى إتبعته كنيسة الأسكندرية فى تعليمها.
وكان آريوس قد بدا فى بدعته بخصوص إنكار لاهوت الرب يسوع و قد نشر أفكاره بين العامة من خلال جمل وعبارات سهلة ، وقام بنظم العديد من القصائد والأشعار البسيطة سهلة التداول بين الناس، وقد وضع هذه الأشعار والعبارات ضمن كتابه الشهير "ثاليا" ، فجرده البطريرك من وظيفته وأصدر قراراً بحرمانه من الوعظ .
ومما يذكره المؤرخون أنه عندما جاء وقت إستشهاد البطريرك البابا بطرس، سعى آريوس لدى وجهاء مدينة الأسكندرية لإطلاق سراح البابا بطرس من السجن بقصد التصالح مع البابا وإرضائه، ولكن البابا أعلن أنه رأى رؤيا أن آريوس مزق ثوب الرب (فى إشارة إلى إنقسام الكنيسة ) وزاده فى الحرم رافضاً المساعي من جهة آريوس للإفراج عنه. وبعد استشهاد البابا بطرس خلفه أحد تلميذيه الذي قبل اريوس لكنه مات بعد 6 شهور ثم جاء بعده البابا الكسندروس الذى حرمه من الكنيسة وطرده بعد أن حاول إقناعه بضلاله وعقد مجمعين محليين لحرم اريوس ودحض بدعته واخذ يقاومه بكل الوسائل ولانه كان شيخا فقد عين اثناسيوس الرسولى- وقد كان رئيس الشمامسة آنذاك- سكرتيرا ومساعدا له في مقاومة هذه البدعة وذلك لفصاحته وقوة حجته.
ولكن عندما جاء البابا " أرشيلاوس" حله وسامه كاهناً وسلمه كنيسة "بوكاليا"، وهى كنيسة الإسكندرية الرئيسية فى ذلك الوقت، ممأ أعطاه شهرة كبيرة، وكان لموهبته فى الوعظ والخطابة تأثيراً عظيماً فى الناس فجمع حوله الكثير من الأتباع.
وحاول أريوس التقرب للملك قسطنطين عن طريق أوسابيوس أسقف نيقوميديا الذى حاول إقناعه بأنه مظلوم فطلب الملك قسطنطين البابا الكسندروس الذي روى له الموضوع برمته فرأى الملك قسطنطين أن يعقد مجمعا مسكونياً من جميع أساقفة العالم كي تصدرالكنيسة كلها قرارا بصدده. ولم تكن القسطنطينية قد بنيت بعد فاختار نيقية مكاناللمجمع سنة 325م وحضره 318 أسقفا واصدروا أمرا بحرم اريوس بعد المناقشة وبعد مناظرة أثناسيوس الرائعة التى قدم فيها الردود الكافية على إدعاءات آريوس.
ثم صار اثناسيوس بطريركا ولكن قسطنطين اخذ يظهر رضاءه علي اريوس، ففي عام 334 أعادَ الأمبراطور قسطنطين آريوس من منفاهُ (وبسبب نفوذ بعض الشخصيات المهمة كأسقف القسطنطينية أوسابيوس النيقوميديّ والأمبراطور كوستانتيوس الثاني أصبحت هذه البدعة حتى عام 359 ديناً رسمياً للأمبرطورية الرومانية).
ورفض رغم ذلك اثناسيوس قبول أريوس، فغضب الملك قسطنطين وعقد مجمعا فى صور وكل الحاضرين كانوا أعداء اثناسيوس فقبلوا اريوس و أمروا بنفى اثناسيوس إلى تريفيس Trèves
وحاولوا أن ينصبوا اريوس مكان اثناسيوس فرفضه الشعب وطردوه فاستدعاه الملك إلى القسطنطينية وأمر بطريرك القسطنطينية أن يصلى معه اريوس القداس فرفض فقال له الملك إن اريوس تاب ورجع عن أفكاره إلى الإيمان القويم، فطلب منه البطريرك أن يكتب إيمانه ويقسم عليه فكتب إيمانه وهو يظهر ما لا يؤمن وعلم البطريرك نواياه فصلى إلى الله أن يخلص الكنيسة من ضلال اريوس ويمنعه من دخول الكنيسة فبعد أن اصدر الملك أمرا بقبول اريوس وبينما كان سائرا فى شوارع القسطنطينية وسط أصدقائه ومؤيديه ذهب إلى المرحاض حيث شعر بمعض شديد ولما تأخر وجدوه مطروحا و قد خرجت أمعاؤه ومات سنة 336م.
أفكار أريوس ومضمون بدعته الجوهر الإلهى للرب يسوع المسيح كان هو المشكلة الرئيسية عند أريوس. أولاً يجب التركيز على نقطة أساسية وهى أن هناك عقيدة أساسية في المسيحية هي الايمان بالوحدانية، ليس بوحدانية الله وحسب، بل بوحدة ثلاثة أقانيم في الله.
(و"الأقنوم" كلمة سريانية الأصل استخدمها رجال اللاهوت المسيحى بمعنى "شخص يتميز، لكنه لا ينفصل" عن الأقانيم الأخرى. ولا تستخدم هذه الكلمة فى حالات أخرى غير التعبير عن الأقانيم الإلهية)
وقد حاول المسيحيون منذ العصور الأولى تفسير ما يبدو لكثيرين أنه تناقض بين تأكيد وحدانية الله والاعتراف بالأقانيم الثلاثة، الآب والابن والروح القدس. وقد كان اهتمام المسيحيين في بداية القرن الرابع توضيح الانسجام بين الوحدانية والثالوث.
وباستخدام مفاهيم الفلسفة البشرية لم يكن من المقنع أن يقال "إن الله واحد، وفي الوقت نفسه آب وابن وروح قدس"، كما تقول المسيحية، وكان آريوس يقبل المبدأ القائل ان الله واحد في ثلاثة أقانيم، آب وابن وروح قدس، غير أن تفكيره الفلسفي العقلي قاده إلى القول انه، من بين الأقانيم الثلاثة في الله، فإن الآب وحده هو حقاً وجوهرياً إله منذ الأزل، أما الابن فليس إلهاً، ولاالروح القدس هو إله.
ويزعم آريوس أنه كان هناك وقت (فى الأزل) كان فيه الآب وحده. ويعترف كذلك أن الابن هو "قبل كل الدهور"، ويعتقد أنه أعظم من كل خليقة مادية وغير مادية، لكنه يعتبره أيضاً خليقة من صنع الآب.
"ويضيف : انه قد يصحّ القول عن الإبن انه إلهي وفي صورة الآب، ولكن لا يجوز القول انه "من جوهر الآب"؛ فالابن مختلف في جوهره عن الآب، لذلك لم يكن المسيح إلهاً حقاً، بل انه مخلوق ومن صنع الآب. ويتابع آريوس تفسيره: بالتأكيد أنه عندما نقول إن المسيح هو ابن الله، فاننا لا نعني البنوّة بالمعنى الحقيقي الكياني،بل بالمعنى المجازي الأدبي.
ولم تكن فكرته عن المسيح من بنات أفكاره ولكنها كانت فى الأصل نقلاً عن فيلون اليهودى المتنصر ونظريته عن اللوجوس (الكلمة logos) و كانت فكرتة تتلخص فى :
ان "الكلمة" كائن متوسط يعبر الهوة بين إيلوهيم والعالم وهى هوة لا تعبر، فقد خلق إيلوهيم الكلمة ليخلق به العالم والمادة.
ويرى فيلون أن إيلوهيم وهو الإله الحقيقى عال عن المادة ولا يمكن أن يتصل بها مباشرة من غير وسيط. هذا الوسيط هو المسيح الكلمة.
ولم يكن فيلون هو فقط الذى تأثر به آريوس ولكنه تأثر أيضاً بـ أفلوطين فى نظريته فى النوس Nous ومركز الكلمة المتوسط بين الإله أو الواحد وبين العالم. وهكذا فإن آريوس لم يأت بفكر جديد ولكن استهواه الفكر الفلسفى اليهودى الأصل الناتج من فكر فيلون اليهودى عن اللوجوس، والفكر الوثنى القادم من أفلوطين فى "النوس" ومزج هاتين النظريتين وألبسهما لباساً مسيحياً بإستغلال آيات من الإنجيل لتأييد فكره بنصوص من الكتاب المقدس وأعتقد أنها ساندت رأيه، مما جعل البابا أثناسيوس يقول عن آراء آريوس " أنها آراء وثنية ".
وينتج من ذلك، في رأي آريوس وأتباعه، ان المسيح غير مساوٍ للآب. فهو ليس إلهاً من إله، إنما هو فقط من أصل إلهى. إلا أن"كأنه من أصل إلهي" يعطيه مركزاً رفيعاً لدى الآب. فهو الوسيط بين الآب والخلائق، وهوأيضاً الوسيط في الخلق. وهو الذي، في لحظة من الأزل، خلق الروح القدس. فكما أن الابن هو صُنْع الآب، كذلك الروح القدس هو صُنْع الابن.
هذه بإختصار تعاليم الآريوسية.
أريوس وحقائق الإيمان المسيحى
لقد كانت لتعاليم أريوس نتائج خطيرة لأنها تهدم كل ما أوحى الله به إليناعن الثالوث فى الله الواحد، وتنكر على الجنس البشري الاتحاد الحقيقي بالله،ولا تعترف للفداء بأي مفعول جذري في الطبيعة البشرية، بل تقرّ فقط بوجود تأثير أدبي وروحي له على الإنسان وموقفه أمام الله. وهكذا تناقض الآريوسية مناقضة صريحة الحقائق الجوهرية في الإيمان المسيحي.
فجوهرالإيمان المسيحي يقوم على أن المصالحة بين الله والبشر لم تتمّ على يد شخص مرسل من العلاء ولا على يد نبيّ ملهم من بين الأنبياء ولو كان أعظم الأنبياء، بل على يد الكلي القدرة نفسه، صانع الكون والخالق الذي أبدع الأشياء كلها، ما يُرى وما لا يُرى.
إن المسيحيةتؤمن بأنه ليس في مقدور إنسان أن يعيد إلى البشر صورة الله إلا إذا كان هذا الإنسان إلهاً. الإله المتجسّد يمكنه وحده أن يعيد إلى جنسنا الساقط صورته الالهية الأولى.
وبسبب حدود عقلنا البشري، نميل إلى تقريب ما هو متسامٍ وإلهي إلى مستوانا البشري ليسهل علينا تحليله وإدركه. فمن السهل جداً على عقلنا البشري أن نقول أن الله لم يصبح هو نفسه كائناً بشرياً بل أرسل باسمه إنساناً إلى العالم. كما انه أسهل بكثير أن نقول : اننا لم تتغير طبيعتنا الساقطة إلى صورة المسيح الإلهية ، بل نقول: رفعنا إلى درجة أدبية أعلى.
مجمع نيقية
من 20 مايو حتى 19 يونيومن سنة 325 ناقش 318 أسقفاً مجتمعين عقائد المسيحية، وكانوا قد إجتمعوا من كنائس العالم بدعوة من الإمبراطور قسطنطين لحسم الجدل الدائر والذى أثاره أريوس. وقد زاد حدّة النقاش ماكانواعليه من اختلاف في التعبيرات والألفاظ الفلسفية. إلاّ أن ما صدر عن مداولاتهم تجنّب الألفاظ والمفاهيم الفلسفية العقلية. وانتهى المجمع بالإعتراف بالجوهر الإلهى للرب يسوع المسيح الإله المتجسد له كل المجد.
رد فعل الأريوسيين حول قرارات مجمع نيقية – ومصير بدعة أريوس
أنقسمت فيما بعد الآريوسية عدة طوائف لنفس البدعة وهم :- الطائفة الأولى : كان البعض يعتقد بصحة قانون الإيمان النيقاوي رغم تشكيكهم بمساواة الابن للآب في الجوهر هؤلاء دُعيوا "بأشباه الآريوسيين".
الطائفة الثانية : كانت تطعن في صحة قانون الإيمان النيقاوي معتبراً أن طبيعة الابن هي مختلفة تماماً عن طبيعة الآب.
الطائفة الثالثة : ظهرت أيضاً جماعة ثالثة تعتقد بأن الروح القدس هو أيضاً خليقة ثانوية.
مع صعود فالنتِس عام 361 إلى العرش بدأت الأمور تعود إلى مجراها الطبيعي أي لما جاءَ في مجمع نيقية المسكوني. فيما بعد أُعلن الإيمان النيقاوي عام 379 إيماناً قويماً وديناً رسميّاً للإمبراطورية بفضل الإمبراطور ثيودوسيوس. تثبَّت هذا الإيمان بواسطة المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية عام 381.
بالرغم من هذا فقد استمرت الآريوسية لقرنين من الزمن وخصوصاً بين الشعوب الجرمانية التي كانت قد بُشِّرَت عن يد مُرسَلين آريوسيين.
إعداد قسم الدراسات والنشر بالكنيسة الرسولية ببنى مزار |
|
|
![]() |